«نزهة مارشال» لمحمد اليحيائي.. كتابة مغامرة في مواجهة الزمن
«الحياة داخل النص، والحياة خارجه» يمكن لهذه الجملة التي ترد في المقدمة التي كتبها محمد اليحيائي لمختاراته القصصية «نزهة مارشال» (دار مسعى للنشر والتوزيع – البحرين)، أن تُمثل دلالات هذه القصص، وتوجز غاياتها ومنتهاها؛ إذ تبدو مغامرة مواجهة الزمن -فيما يتعلق بالكتابة تحديدًا- بكل التفافاته وأبعاده، بتحولاته المختارة والمفروضة قسرًا ما يشغل الكاتب ويستدعي هواجسه، قائلًا: «كيف تُجمع أزمنة وأسئلة وحالات متباعدة ومختلفة بين ضفتي كتاب واحد».
تنقسم المجموعة القصصية «نزهة مارشال» إلى ثلاثة أقسام هي عبارة عن ثلاث مجموعات قصصية تنتمي لأزمنة مختلفة، يعود أقدم نصوصها إلى عام 1989م، أما أحدثها فقد كتبه اليحيائي عام 2004م ومن دون شك تُجسد هذه الإحالات الزمنية طقوسًا تستدعي الانعطافات بغرض تأمل الإشارات والتحولات التي حدثت على مدار رحلة الكتابة، لنقرأ قول المؤلف: «ترددت طويلًا في اتخاذ قرار إعادة الطباعة هذا… كان سبب ترددي أن هذه التجارب هي ابنة زمنها، ولدت فيه وخرجت منه، من تحولاته، ومغامراته ومناخاته وتجاربه وقراءاته وسجالاته، وأسئلته وقضاياه، وإن مجرد التفكير بإعادة طباعتها، يعني التفكير بإعادة قراءتها، وهذه مهمة شاقة بالنسبة لي، فأنا من الكتاب الذين لا يقرؤون نصوصهم بعد نشرها. وإعادة القراءة تعني فيما تعنيه، العودة إلى تلك الأزمنة التي ولدت فيها، وخرجت منها هذه النصوص، وتعني فيما تعنيه أيضًا، استعادة لتلك التحولات والمغامرات والسجالات والأسئلة».
تأتي مراجعة الزمن هنا، حاملة في ثناياها مراجعات أخرى للأماكن، وللتفاصيل المروية من وإلى، للحكايات الصغيرة، وما توجب كشفه منها، وما ينبغى حجبه.. العالم يضيق ويتسع في أماكن القصص وأزمنتها وشخوصها، يختلج في نبضات وإيماءات مستترة تنظر نحو الأمس بلا حسرات أو حنين ممض، ونحو الغد بتطلع جسور يحمل غموض الحلم حينًا، وخيبته في حين آخر.
المضمون الحكائي
ينبني النسيج القصصي في «نزهة مارشال» على خصائص فنية متمثلة في اعتماد تقنية المشهد البصري المحبوك ببعد فكري، وأسلوب سردي يمنح القصص أسسها الجمالية. في المجموعة الأولى من المختارات «طيور بيضاء طيور سوداء»، نجد سبع قصص هي: «طيور بيضاء»، و«لم يكن ذلك سوى المرحوم»، و«حوار غير مكتمل مع علي بابا في مغارة الإنتركونت»، و«نزهة المارشال»، و«سلطان الرماح يسرد حلمًا أفسدته مياه حلم سارد آخر»، و«سمكة صالح»، و«طيور سوداء».
اختار الكاتب أن يقسم العنوان «طيور بيضاء طيور سوداء»، فتكون قصة طيور بيضاء في البداية، ثم ختم هذا الجزء بـ«طيور سوداء». في قصة «طيور بيضاء» يواجه بطل القصة وردي بن يحيى «الاعتقال لمدة ثلاث سنوات، في غرفة شديدة البرودة والإضاءة. تواجه «الأنا»، مرارة السجن والعزلة، وتدمج في تخيلاتها واستدعاءاتها ما بين الماضي والحاضر في تقطيع سردي يتنوع فيه صوت القص ما بين «الأنا» و«الراوي العليم».. نجد استكمالًا لحكاية وردي بن يحيى في قصة «طيور سوداء»، عبر حلم يقض مضجعه ويتكرر في الليالي السبع التي سبقت حادثة اختفائه، في هذه القصة أيضًا نشاهد البطل مسكونًا بآلامه، بأشباح ذكريات عذبته طويلًا، يتداخل فيها الواقع مع الخيال؛ إذ يبدو البناء النفسي للبطل ملموسًا بحالة صوفية وروحية تحضر في كلٍّ من القصتين، لنقرأ: «وكان في كل ليلة ينهض من حلمه منقبضًا، وكان يشعر كما لو أن غبارًا حامضًا يعقص أمعاءه… الحلم ذاته يتكرر كل ليلة، حبلًا من طيور سود ينحل وينعقد على صورة خاتم بين عينيه في طحلب السماء»… يختلط ضمير الأنا أيضًا مع الراوي العليم في تداخل واضح كأن يقول استكمالًا للحلم الذي شاهد فيه الطيور السود: «كنت في كل مرة، أجلس فوق سريري ملطخًا بالصمغ الأصفر الذي سلحته عليَّ الطيور السود التي خلفتها ورائي في الحلم…».
وفي هذه القصة أيضًا يتكرر ظهور الرجال الثمانية لكنهم يرتدون دشاديش سُودًا هذه المرة بعد أن كانوا يرتدون دشاديش بيضًا في قصة «طيور بيضاء»، يأتون بخفة ويختفون مثل ظل نبوءة غامضة، لكن هذه المرة يتمكن البطل من الإحساس بهم أكثر، يكاد يشم رائحة عرقهم، يحملون بأيديهم رشاشات وهو يقف بينهم. يتكامل الوصف الخارجي لهيئة الرجال ذوي الدشاديش السود مع الدلالات الرمزية للحلم وتفاصيله، وما سيتلوه من تغيرات قاسية في حياة البطل، تترك آثارها في داخله حتى بعد مرور زمن على السجن. لنقرأ «كانت السنوات الثلاث الماضية التي تلت خروجه من المعتقل هي الأكثر حلكة ومرارة في حياة وردي بن يحيى، فقد عشتها مطاردًا ومراقبًا ومخترقًا في كل شيء». تجربة المعتقل وما فيها من تفاصيل داخلية وخارجية، ترتبط بالمكان وبالذات الملتاعة أيضًا، البصيرة تنفتح على الداخل، وفي الخارج ضوء أبيض حارق في غرفة شديدة البرودة، تظل في ركنها القصي من الذاكرة، لا تزول معالمها،ولا تنقضي.
* * *
تضم مجموعة «يوم نفضت خزينة الغبار عن منامتها» القصص التالية: «الطابور»، و«كائنات نادي الضباط»، و«Good morning»، و«دمعة مروان»، و«قلعة أرخميدس»، و«وجه صديقتي»، و«يوسف »، و«خديجة»، و«صباح»، و«سلطان الرماح»، و«وردة ماركيز»، و«يوم نفضت خزينة الغبار عن منامتها»، و«بين غمامتين»، و«scanner»، و«كلام عام على موت خاص»، و«الأشياء في أماكنها»… وكتبت هذه القصص بين عامي 1995م و1997م. تبدو القصة الأولى «الطابور»، محملة بالرمزية رغم أنها تبدأ بمشهد وصف خارجي لمجموعة يرتدون الدشاديش البيض، يحملون عصيًّا، وعلى ظهورهم حقائب نايلون من اللون الأخضر، يعبرون ساحة المطار القديم يندفعون «رتلًا واحدًا من فوق الحواجز ومن تحتها»… يتوالى السرد متتبعًا حركة المجموعة، وقوفهم في طابور واحد يطيعون أوامر المشرف- بما تحمله هذه الحركة من دلالات. تتضمن القصة جملة بدا أنها تستحق أن تكون الخاتمة لما فيها من استدعاء ووصلٍ لمشهد آني بلحظة مضت حين يقول: «خلف دمعات الفلج التي ذرفتها عيون جبل بعيد على نسر نفض ريشه، وحلق وحيدًا في صباح رمادي بعيد من ساحة المطار القديم».
تشير قصة «يوم نفضت خزينة الغبار عن منامتها»، إلى ما يمكن أن تفعله ضغوط المجتمع بالفرد، وكيف تؤدي به إلى القيام باختيارات تنتج عنها سلسلة من التعاسات. يواجه القارئ قصة خزينة وسليمان، وحكايتهما المعقدة نفسيًّا واجتماعيًّا بعد فرار سليمان من خزينة ليلة الفرح، «فهو قد رفض فكرة الزفاف مرات عديدة… لكنه رضخ في الأخير تحت ثقل نواح الأم»، لكنه يختار الفرار ليلة زفافه، تاركًا خزينة وحدها عروسًا مهجورة، أما الأم زوينة، فتموت بعد ثلاث سنوات من غياب ابنها الفاجع.
ينزع معظم الأبطال في قصص اليحيائي إلى الانعتاق من أغلال تكبلهم، وحدهم يشعرون بها ويدركون وجودها جيدًا، بالقدر الذي يدركون أنها غير مكشوفة للآخرين، لكنها تسبب لهم وجعًا لا تتمكن الروح من احتماله، وهذا الألم الطويل يبدو كما لو أنه قدري جدًّا لا مفر منه، كما في المصير الذي انتهى إليه سليمان في قصة «يوم نفضت خزينة الغبار عن منامتها»، هو الذي فر من تعاسة الزواج، يمضي إلى مصير لم يكن في حسبانه.
في القصة التي حملت عنوان المجموعة ككل «نزهة مارشال»، تبدأ الحكاية مع عودة مارشال من نزهته متكدرًا تعبًا كعادته، وللمفارقة أن مارشال هو كلب، وليس كلبًا عاديًّا، بل كلب له مكانته في حياة سيدِهِ. لنقرأ هذا الحوار بين السيد وخادمه: يقول الخادم: «كلهم يموتوا من الحسد، ويتمنوا لو عندهم واحد مثل روشي» يرد السيد: «خلهم يموتوا، أصل الكلب من أصل صاحبه، وبعدين الكلاب مقامات.. هذولا الرعاع يريدوا يكون عندهم كلب مثل كلبنا، مخابيل هاذولا ولا أيش؟» السيد صوته يشبه العواء، كأنه يخرج من مكان آخر غير فمه، والخادم له عنق طويل ناحل ورأس مثل رأس الباذنجانة، وهما معًا بينهما الكلب والبقرة، يجمعهما تواطؤ مشبوه، إنها قصة نفسية، مكتوبة بأسلوب مكثف، تحمل نقضًا لاذعًا للطبقة المتسلطة، وتكشف ما في دواخلها من نوازع نخرتها أمراض نفسية عدة.
* * *
في المجموعة الثالثة «خرزة المشي»، التي تُعدّ الأقدم زمنيًّا في فعل الكتابة نجد أن القصص يميزها التكثيف واللقطة التي تركز على حدث بعينه «ذهب بعيدًا»، و«عينان بعد فوات الأوان»، و«الرئيس والعصفورات»، و«خطوات تصعد الدرج»، و«السكيكرة»، و«زلاقة صاحب الفخامة»، و«سم الوردة»، و«موت المواطن صالح»، و«مسامير»، و«الدار»، و«استدراج».
يدمج الكاتب في قصة «خرزة المشي»، بين حس السخرية من الحكايات الشفاهية المروية، وبين البُعد الميثولوجي الموجود في الأساطير التي تحكي عن نبوءات تؤدي إلى تحولات مفصلية لا رادَّ لها. هناك خرزة الملك المفقودة التي تشبه حبة النبق في حجمها، لونها ضارب إلى الزرقة، خرزة أدى ضياعها من مهد الملك وهو طفل إلى تهديده بأن يظل كسيحًا… هذه الخرزة التي تشغل بال الملك وتوتر منامه، تدفعه إلى الخروج عاريًا من القصر، وإلى إصدار المراسيم لكل أهل المملكة بالبحث عنها.
يتكرر حس السخرية في قصص عدة كما في «موت المواطن صالح»، الذي يرى من قبره أن على المواطن الصالح ألَّا يموت ميتة عادية، بل هو على رأس الوظيفة. أما قصة «الدار»، فقد اختار الكاتب جملة في مطلعها تقول: «لا بد من الموت، في هذا اليوم، من فرط الضحك»، كذلك يسخر من فخامته في قصة «زلاقة صاحب الفخامة»؛ لأن فخامته «ما يزال يشعر بتدفق دم الشبوبية الحار في أعماقه، رغم قلقه مما تعانيه الدولة من طيش زمرة الشبان الذين، يا للهول يا ربي، يريدون الدولة لهم».
اللغة الساردة
تبدو اللغة في قصص اليحيائي خاصة، غير مكررة، سلسة ومعبرة وفياضة عند وجود غايةٍ لوصف المكان أو التفاصيل الداخلية، لكنها تخلو من الترهل، وتتخذ أسلوب الترميز في بعض المواضع.. مثلًا كي يصف الوقت بأنه قرابة الفجر يقول: «الكون لم يُخلق بعد»… لغة تتجنب تكرار مفردات مألوفة سواء في وصف الأماكن أو الأشخاص. وعندما يصف برودة المكان يقول: «أخذوني في عز الصيف، لكن الغرفة كانت في قلب شتاء القطب الجنوبي».
أو يقول في قصة «طيور سوداء» مشبهًا السماء بالطحلب: «حبلًا من طيور سود ينحل وينعقد على صورة خاتم بين عينيه في طحلب السماء». وفي قصة «نزهة مارشال» بدلًا من أن يقول واصفًا الكلب مارشال بأنه أغمض عينيه نجد: «أغمض خرزتيه الزرقاوين وأغفى»، أو أن يقول في القصة نفسها واصفًا الثريا، في عبارة دالة على ثراء صاحبها: «لمباتها المئة التي يمكنها بومضة واحدة، غسل الظلام عن مدينة بأكملها».
أو أن يكون وصف نهار السبت في قصة «دمعة مروان» بأنه «مطلع أسنان الأسبوع»، وفي القصة عينها يرد وصف البيت بأنه «قطعة ساتان»، أو أن يبدأ قصة «وجه صديقتي» بوصف للقهوة يقول فيه: «لوجهها رائحة ساخنة ونكهة جبلية… ولما ينعقد وجهها وتطفر نجمات صغيرة، أغمضُ عين النار»، ونجد في قصة «Scanner»، وصفًا لمشهد حسي يجمع بين حبيبين، إلا أن اللغة تفوق في شفافيتها اللحظة الآنية لتحلق في فضاءات أسئلة غير محسوبة عن الغد. أو أن يقول واصفًا لحظات الألم في قصة «مسامير»: «العيون زائغة والأنفاس خشخشة رئات ذبحها الرمل».
العلاقة مع المكان
تحضر العلاقة مع المكان في قصص اليحيائي، سواء في الدائرة الكبرى للمكان أي المدينة والشارع والحي، هناك قصص حملت اسم مكان «السكيكرة» و«الدار» في مجموعة «خرزة المشي» أو في الدائرة الصغرى كاشفة عن ارتباط حميم بتفاصيل ومفردات داخل البيت، يتكرر ذكرها في القصص، وتستدعي عند الأبطال صلات وأحداث متكاملة تُراوِح في مكانها بين أمس مضى، أو حاضر معاش، ومستقبلٍ مَحلومٍ به، وتجسد هذا في ذكره لتفاصيل صغيرة مثل: «أفريز النافذة»، و«مفتاح الشقة»، و«فتحة الباب»، و«الجسر»، و«قهوة مطيبة برائحة الهيل وماء الورد مثل تلك التي تنبعث من معظم دور «السكيكرة»، و«كنت أتحسس اللزوجة في انخطاف بارد وأنا أبحلق في الفراغ اللبني لظلام الغرفة المختلط بضوء أنوار شارع الخوير». يقول في قصة «دمعة مروان» متحسرًا على علاقته مع المكان: «هل يكتب الكاتب أن لا بيتَ له في بلاده، وأن صاحب البناية طرده من شقته الصغيرة التي اكتراها في الخوير؛ لأن أسرة هندية تقدر تدفع ضعف ما يقدر يدفعه كاتب». تحضر الصحراء أيضًا في قصة «صحراء أرخميدس»، فالقلعة بناء وحيد ومهيب جاثم فوق صدر الصفرة الشاسعة، وفي هذه القصة يصيح السير أندرو راين بالتمثال: «قد وجدتك»، في معارضة رمزية لعبارة أرخميدس «وجدتها».
العلاقة مع الزمن
في قصص اليحيائي يجدر التوقف مطولًا أمام علاقته ككاتب مع الزمن؛ إذ يوضح في مقدمته للمجموعة عن علاقته بفعل الكتابة ومفهومه الزمني لها، ثم يحدد مع مدخل كل مجموعة قصصية زمن كتابتها. في نحو آخر نجد ما يعبر عن اضطراب العلاقة مع الزمن في الجملة البليغة لأحد أبطاله: «أمران يقضَّان مضجعي: الزمن والخيبة».
يتداخل الزمن في قصص اليحيائي، ويسيل منهمرًا لا يوقفه إلا تأملات الأبطال المعذبين بالوقت، بالسؤال عن النهايات، وعن انقضاء الساعات، وادعاء الانشغال عن الأسئلة الوجودية المقلقة المطروحة داخل القصص، ماذا يكون الموت سوى النكوص لسنوات لا يعرف فيها المرء كم مر عليه من الزمن! يتجزأ الموت في قصص اليحيائي إلى موت نفسي وآخر فيزيائي، إلا أن كليهما يرتبط قسريًّا بالزمن… هذا ما حدث مع وردي بن يحيى، ومع مريم في قصة «لم يكن ذاك سوى المرحوم»، فقد طبخ ذهن مريم «الأبخرة الحامضة لست سنوات من فاليوم المستشفى» مريم التي تتوهم حملها بعيسى من المرحوم الذي جاء إليها ليلًا مغادرًا تربته، ماتت عن الزمن الواقعي، وصارت تعيش في زمنها الخاص. لعل تجلي العلاقة مع الزمن، يحضر أيضًا في إهداءات القصص، كما نرى في قصة «حوار غير مكتمل مع علي بابا في مغارة الإنتركونت» هي من أمتع القصص، يحضر الموت أيضًا في جملة الإهداء «إلى الحاضر الغائب، الراحل الذي لا يرحل علي المعمري».
تبدو هذه القصة من أكثر قصص المجموعات الثلاث قدرة على تفعيل فن الحكاية والسخرية والخيال والوصف والميتافيزيقا، والقفزات السردية السريعة من خلال شخصية «علي بابا»، وهو البطل الذي تتضح معالمه من اسمه، يقول البطل السارد: «الواقع في نظر علي بابا وفي نظري الخديعة الكبرى التي لا يمكن تصديقها… لكن القدرة على الخلق تستوجب لتصبح فعالة قدرة على المحو».
مغارة الإنتركونت في القصة هي حديقة أوتيل الإنتركونتيننتال، لكن بطل القصة علي أو علي بابا، الذي يفرد حكاياته ويجمعها مثل غجري يُخفي في جيوبه السرية أوراقًا مليئة بالتعاويذ، يختار تغيير أسماء الأشياء والأماكن والأحداث مُتبعًا هواه فقط. لكن البطل السارد يرى في صديقه أنه يُشبه «صياد حيتان فنلندي… والحقيقة الوحيدة التي لديه هي الوهم»، ويبدو مثل أبطال ألف ليلة وليلة، يفتح بوابة حكاية عجائبية ويدلف منها إلى أخرى، ثم يُنهيها كلها كما لو أنها ما كانت موجودة.
* * *
تُحقق قصص «نزهة المارشال» متعة التلقي لقارئها، بما تمتاز به من إضفاء الوعي الجمالي والفني على العناصر الحكائية داخل القصة، من ترابط بين الحدث، واللغة، والزمان والمكان. وهذا ما يفعله محمد اليحيائي في اختياراته اللغوية لمفرداته، وتعامله مع اللغة بخبرة صائغ، حيث لا زيادة ولا نقصان، إلى جانب اعتماده التقطيع السردي في كثير من القصص، مع اختيار زاوية القص الذي يُعد جانبًا مهمًّا في منح هذه القصص خصوصيتها.
لنا عبدالرحمن