“وزاحر ضبع ميدان القتال”.. رواية التاريخ والحرب

 

 

صدر للكاتب المصري المقيم في الإسكندرية “محمد الجمل” راوية “وزاحر ضبع ميدان القتال” وجاءت هذه الرواية بعد سلسلة من الأعمال الأدبية تتنوع بين مسرح وقصة ورواية ومن هذه الأعمال راوية “حدث ذات مساء” “أمازيس”، “أوقات منسية”، “غيبوبة بدون جنون” و”اثنين في واحد” قصص : “الأفراس” مسرحية و”عالم صافيناز” مسرحية طويلة و”الإنسان الكلورفيلي” مسرحية.

 

– 1-

تدور أحداث رواية “وزاحر ضبع ميدان القتال” حول حقبة تاريخية معينة، هي حقبة الغزو الفارسي لمصر، وقدرة الشعب المصري علي مقاومة هذا الغزو، وتشكل إرادة المقاومة وفقاً لطبيعة الغزاة وأسلوب الاستعمار الذي يبتكر في كل مرة وسائلاً جديدة للحرب والقتال ،  يبني الكاتب عمله الروائي التاريخي وفق خلفية درامية يكون البطل فيها التاجر المصري “وزاحر” الذي يغامر بحياته وحياة ولديه وابنته ليدفع هو وأسرته ثمن هذه الثورة من دمائهم يقول: كان وزاحر محباً لأبنائه إلي حد التوحد معهم، باعتبارهم أهم جزء في ثروته وبضاعته، فهم يعينونه في عمليات البيع والشراء والمقايضات والرهونات، وسوف يصبحون سنده الوحيد، عندما تشيخ قدماه، ويترهل ساعداه، ويعجز عقله عن جمع وطرح الأعداد .

 

-2-

لكن “وزاحر” بطل الرواية تنقلب به الأحداث ويخوض معارك وحروبا في رحلات شاقة وراء الجيوش إلي أن ينتهي وحيدا في هذه الدنيا يقول: لم يبق لي في دنيايا سوي “ناميس” مستندا بذلك علي الحبكة الدرامية العائلية التي يصف من خلالها تصاعد الحدث الدرامي وتبدل أحوال أبطاله من الهدوء والاستقرار بين زوجاته وأبنائه إلي حياة الحروب والقتال المستمر ، لا يقسم الكاتب روايته إلي فصول أو أرقام، بل يتابع السرد بشكل متسلسل بما يتوافق مع السرد التاريخي ، ويأتي عنصر اللغة متوافقاً مع الطابع الحكائي للحدث الذي ينسجه الكاتب ما بين الحرب والتاريخ والديانات القديمة يقول “خضع المصريون لديانتين أساسيتين، ديانة للسادة القادرين علي دفع الثمن وهي ديانة “رع” وديانة شعبية تحكم جماهير الموتي، وهي ديانة أوزوريس، تلك هي طبقية العباد التي تكشف عن طبقية حيازة الثروة والسلطة.

يعمل الكاتب علي تقديم شخصياته التاريخية والإحاطة بها من جميع الجوانب النفسية هناك الكاهن “بشاي” الذي يقوم برحلات استكشافية إلي المناطق المجاورة ويؤدي دورا مهما في الرواية تماما، كما يعرف عن دور الكاهن في العصور القديمة كأن يذهب “بشاي” إلي معبد “نبت” ليلتقي رئيس الكهنة “تاهاي”  ويتعرف منه علي اتجاه الريح، ولكن رغم ما في شخصية الكاهن من قوة وسيطرة إلا أن الكاتب يعمد إلي التركيز علي بطله”وزاحر” حيث يظهر حنكته وخبرته في التعامل مع الأشخاص كأن يقول للكاهن “بشاي””: لا  مفر من  أن تقابل “ريناروس” بنفسك وهذا يؤهلك لمنصب رئيس المعبد، وقد يسعفك الحظ فتنشئ معبداً جديداً وتخترع له إلهاً فتنهال عليك العطايا”.

 

– 3-

يقدم الكاتب في روايته أيضا جو الحرب والمعارك والقتال المستمر هناك مثلاً “إيناروس” الذي يتقاتل مع ” أخميس” ويتعقبه من أرض إلي أرض يقول ” لم يشأ إيناروس تعقب إخميس، قبل أن يحتمي بأسوار منف، قرر أن يحمي ظهره قبل مواصلة الهجوم، كان يخشي من هجوم بحري يأتيه من سوريا عبر النيل “المحتلة من الفرس” يتناول الكاتب أيضا خلال تلك الحقبة الحديث عن دور اليهود في الحرب والدسائس، التي يقومون بها وكيف أنهم كانوا أعواناً للفرس ضد المصريين منذ بدء الاحتلال، وكيف كانوا علي علاقة غير جيدة مع المصريين بسبب الاختلاف في الدين، لذا مال اليهود للفرس الذين اغدقوا عليهم ببذخ وسخاء، يقول الكاتب علي لسان أحد الشخصيات ويدعي دوبار ” اليهود يعيشون في ترف ليس له مثيل .. المصريون ناقمون عليهم ويبتعدون عنهم كل البعد حتي أن رئيس كهنة الإله المصري “خنوم” لم يصرح لهم بذبح خروف صغير في عيد الفصح اليهودي” .

 

– 4-

يسلط الكاتب الضوء أيضا علي دور مصر التاريخي منذ القدم، وكيف أن موقعها الجغرافي يجعلها قريبة من كل الصراعات التي تحدث في المنطقة، ويتصرف محمد الجمل أيضا للكشف عن الصراعات القديمة بين ممالك أشور وبابل وفارس لتحقيق السيادة الإقليمية علي المنطقة، وكيف استعاد المصريون بجند المرتزقة  اليونان لطرد الاحتلالي الأشوري لمصر قبل الغزو الفارسي، لكن المصريون في انشغالهم بالمشاكل الداخلية لم ينتبهوا للخطر القادم من الفرس يقول “لم نكن قد غيرنا أفكارنا وسياستنا وكهنتنا نواجه الزمن الجديد، زمن النزعات القومية الإقليمية لذا جاء الغزو الفارسي، ولم نكن قد وعينا الدرس.

وكأن الكاتب يقارب في روايته بين أحداث التاريخ السابقة وأيامنا الراهنة، وكما لو أنه يحمل روايته بنوءة لما سيكون عامداً إلي استعادة واقع الأمس ليستخلص منه العظة لليوم والغد.

د. لنا عبد الرحمن 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى