نساء على القمة: 62 قصة نجاح

 

 

“كي تصلي إلى القمة عليك أن تختاري واحدة من اثنين.. أسرتك أو مهنتك”.

من خلال وجهة نظر علمية دقيقة، واستعراض مواقف متوازنة يناقش كتاب “نساء على القمة” الصادر عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة، تجربة 62 امرأة قائدة في مجالات إقتصادية وسياسية واجتماعية استطعن تحقيق أعلى درجات النجاح المهني مع وجود حياة أسرية مستمرة وناجحة أيضا.

إن هدف الكتاب يتضح منذ الصفحات الأولى، ويمكن اختصاره في السؤال التالي “كيف يمكن أن تعيشي حياة ناجحة تدمج بين العمل والأسرة؟”

يقع الكتاب في مقدمة، وتسعة فصول هي: إلى النساء على القمة، التعليم من الأمهات والمعلمات الأخريات، توفير الوقت واستهلاكه، ربة منزل سعيد، الأطفال الأعزاء، التأثير غير المباشر فيما بين العمل والأسرة، الحسابات الثقافية، القيادة النسائية، كيف يمكن أن تعيش حياة ثنائية ناجحة، ثم هناك ملحق بأفكار ختامية عن العمل الجاد والعلاقات العميقة والسعادة، وأيضا السيرة الذاتية للنساء القائدات. إن هؤلاء النساء اللواتي يتناولهن الكتاب لسن نساء عاديات، مجرد موظفات في مؤسسة أو شركة، بل هن مجموعة من النساء اللواتي تمكن من أن يصبحن قائدات في مجالهن المهني، من هنا تبدو تجربتهن العملية والحياتية تستحق الدراسة عن قرب، وهذا ما قامت به الباحثتان: ديانا إف هالبيرن وفاني إم شوينج في كتاب “نساء على القمة”، وقدم الترجمة الرشيقة إلى العربية المترجم مصطفى محمود.

سعت الباحثتان لدراسة ظاهرة نجاح النساء في المراحل التعليمية وحصولهن على شهادات عالية وبتفوق، لكن قليل جدا منهن تمكن من الحصول على مركز مهني بمنصب رفيع مثل: المدير التنفيذي، أو المدير المالي الأعلى، أومدير تقني أو تكنولوجي، لذا قامت فكرة الكتاب على رصد النساء اللواتي خرقن هذه الظاهرة وتتبعن حياتهن بكافة مراحلها، ليقدمن هؤلاء النساء الناجحات كنموذج لكل نساء العالم، عبر السيرة الذاتية لهن، وأيضاً من خلال التحاور معهن بإسهاب عن التدابير اليومية التي ساعدتهن في تحقيق طموحهن في الوصول لمنصب عملي مهم، ينافسن فيه الرجال.

إن ما يناقشه الكتاب من مشاكل وصعوبات تواجهها أولئك النساء الموجودات في الولايات المتحدة، والصين، وهونج كونج لا تبعد أبدا عن مشاكل النساء العربيات، حيث تتفق جميعهن أن المشكلة الأساسية عند المرأة التي تجمع بين العمل والأسرة هي في غياب الدعم النفسي من قبل الأزواج أو العائلة، فالكتاب يكشف مثلا أن النساء يقضين في المتوسط 20 ساعة أسبوعيا في الطهي والتنظيف والتسوق وغسل الملابس، بالمقارنة مع 3 ساعات في الأسبوع للأزواج. وعلى الرغم من هذا يتضح في مسيرة النساء القائدات التي يذكرها الكتاب هو مشاركة أزواجهن في دعم قصص نجاحهن المهني، من هنا تبدو بعض المفارقة المعكوسة في وجود شريك متفهم لإمرأة ناجحة عمليا، وفي عدم وجوده، أو ممارسته دورا معيقا للتطور المهني.

هناك أيضا مشكلة الضغط على المرأة من الأسر الكبيرة كي تتماشى مع دورها التقليدي في البيت، ففي هونج كونغ مثلا تعتبر بعض الأسر أن عمل زوجة الابن من أجل اكتساب العيش هو تقليل من مكانة الأسرة، وهذه النظرة موجودة أيضا في كثير من العائلات العربية.

ثمة مشكلة مهنية أخرى تتعلق في نظرة الرجال في العمل إلى المرأة القائدة، هناك نظرة دونية من الرجل نحو المرأة حين تكون في منصب رفيع، لذا تحتاج إلى وقت غير قليل كي تثبت كفاءتها المهنية.

تورد المؤلفتان عدة حوادث تسردها النساء عما تعرضن له في بداية مسيرتهن المهنية، خاصة اللواتي يعملن في سلك الشرطة، أو في السلك القضائي، فقد تحدثن عن اللألفاظ المهينة التي يستخدمنها الرجال للتلميح عن المرأة ” كنوع” وليس كفعل.

وتشير نتائج هذه الدراسة أن النساء المتعلمات بدرجة جيدة مستعدات لأن يعتلين مناصب إضافية في القيادة، لكن طالما ظلت النساء هن القائمات الأساسيات على الرعاية، ولا يستطعن أن يرين طريقاً من أجل أن تكون الواحدة منهن أماً، وصاحبة مهنة عالية، فإن كل من الرعاية والقيادة الحرفية سوف يعانيان.

وإذا كان هذا ما يحدث في الدول المتقدمة علميا وصناعيا، يظل اللافت للنظر في هذا الكتاب هو عدم وجود حلول مناسبة مع وضع المرأة العربية التي لا تزال تعاني من ضغوط بينة في التعامل معها “كنوع”، بالإضافة إلى غياب الفرص المهنية المناسبة، وعدم إتاحة مجالات التعليم في حقول مختلفة، هذا طبعا إلى جانب الضغوط الأسرية والمهنية. لذا تبدو قراءة هذا الكتاب جيدة لمعرفة ما يحصل مع النساء القائدات في أماكن أخرى من العالم، لكن تظل الحاجة لوجود نص أو بحث مشابه ودقيق في تقصي أوضاع النساء العربيات، وفي ندرة وصولهن إلى ممرات تقود نحو القمة.

في الملحق الختامي الذي يحمل عنوان “العمل الجاد والعلاقات العميقة والسعادة”، والذي يعتبر من أكثر الفصول الجادة والممتعة معا تتحدث الباحثتان عن مفهوم السعادة من منظور علمي، تذكران عبارة قالتها “كيا شينج” رئيسة مجلس إدارة الاتحاد الفيدرالي لرابطة النساء في شنغهاي: “إن ما يأتي بنجاح شخص هو حياة سعيدة، فالحياة السعيدة حياة ناجحة. إذا أردت أن تكوني سعيدة، تحتاجين إلى أن تحلي الصعاب في الحياة، وإذا أردت أن تحلي الصعاب ينبغي أن تكون لديك المعرفة الكافية، ووجهة نظر علمية، ومواقف مفتوحة ومتوازنة. وتحتاج كل هذه الأشياء أن تعمل على مدار فترة زمنية طويلة، فأنت تحتاجين أن تمري من خلالها لتتعلميها”.

أما على المستوى العلمي للسعادة، فتوضح الباحثتان أن السعادة من وجهة نظر الباحثين توجد في منطقتين أساسيتين، حيث يجد الناس أو يخلقون السعادة الدائمة. أولا، في العلاقات العميقة مع الآخرين، وأفراد الأسرة والأصدقاء. أما المنطقة الثانية في السعادة فهي العمل الجاد. هاتان هما منطقتان في الحياة نستطيع فيهما أن نستخدم قوانا للمشاركة في شيء أكبر وأكثر ديمومة مما نكون. إنه تفاعلاتنا مع الناس الذين نعتني بهم بعمق، وأيضا العمل الجاد الذي نفعله ومتى نفعله، حيث تكتسب عواطفنا الإيجابية وانبساطنا، هذه هي مكونات الحياة الجيدة، ولا ينبغي أن نسأل النساء أن يخترن بين أي منهما، لأن كليهما مهم.

في ختام البحث تقول الباحثتان: “إننا نأمل في أن تكون القارئات قد رأين بأنفسهن أنه من الممكن أن تصبح المرأة ناجحة في مهنتها وفي حياتها الأسرية، فلا أحد أبدا يسأل ما إذا كان الرجال يستطيعون بنجاح أن يمزجوا بين العمل والأسرة. وهكذا فإن النساء اللواتي شاركن معنا عن طيب خاطر بقصص حياتهن، قد أظهرن أنه يمكن للنساء أيضا أن ينجحن في حياة ثنائية، فهن لسن مضطرات لأن يتخلين عن آمالهن في أسرة سعيدة أو في الفوز بقمة المهنة.

د. لنا عبدالرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى