لقطات من المستقبل
يعتبر كتاب “لقطات من المستقبل” الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة من تأليف آرثر سي.كلارك وترجمة مصطفى إبراهيم فهمي ؛ من الكتب القليلة جدا التي تتناول المستقبل من منظور علمي وليس برؤى استشرافية للأحداث.المؤلف يستعرض الأمكانيات العلمية المتوفرة للانسان ويقارنها مع ما توصل إليه العلم من اكتشافات تكنولوجية وكونية خاصة في القرنيين الأخيرين وبناء على ذلك يقدم استنتاجاته المشوقة والغريبة.
يتناول الكتاب فرضيات حول أقصى ما هو ممكن في العلم على المدى البعيد وليس في المستقبل القريب.يطوف بنا المؤلف في رحلات ساحرة ومذهلة عما قد يخبئه لنا المستقبل في أمور تتعلق بالجاذبية الأرضية، والمصادر الجديدة للطاقة مثل المعادن في البحر والفضاء والكواكب. يقول المؤلف :”إن أي تكنولوجيا متقدمة تقدما كافيا لا يمكن تميزها عن السحر”.
وإنطلاقا من هذه العبارة يشرع الكاتب في استعراض الإكتشافات العلمية والإختراعات الإلكترونية التي ظهرت في القرن الماضي ويحكي عن صعوبة تخيل أو توقع حدوثها قبل ذلك بعشرين عاما أو اكثر ويعطي مثالا على الآلة الكاتبة قائلا “كيف يكون رد فعل طابع الآلة الكاتبة في منتصف القرن العشرين لو سمع نبؤة بأنه خلال عشرين سنة سوف ينفق معظم وقته وهو يربت على أزرار الكمبيوتر”
يوضح المؤلف أن مواصفات العالم الجيد القادر على التنبؤ بالمستقبل تتطلب بالمقام الأول ” الحس العلمي- الخيال المرن -والشجاعة” وإلا فإنه سيقع في هفوات وأخطاء سيسجلها التاريخ في حقه،يورد المثال على فكرة إدخال الضوء الكهربائي للبيوت تلك الفكرة التي سخر منها كل الخبراء فيما عدا مخترع أميركي عمره واحد وثلاثين ويدعى توماس أديسون الذي تمكن من اختراع الكهرباء.
من النبؤات الطريفة في الكتاب الوصول إلى اختراع السيارة الطائرة ويورد شرحا يقارنها بظهور الطائرة واستحالة تقبل الفكرة في الزمن الماضي. ومن نبؤاته أيضا أن السياسة والأقتصاد سيكفان عن أن تكون لهما الأهمية نفسها في المستقبل كما كانتا في الماضي،”كما سيأتي وقت تبدو فيه خلافاتنا حول هذه الأمور تافهة وبلا معنى،تهتم السياسة والأقتصاد بالسلطة والثروة،في حين أن أياً منهما ينبغي ألا يكون موضع الأهتمام الرئيسي للبالغين من البشر،ما بالك إذا كانت الموضع الوحيد لاهتمامهم.كما يرى المؤلف أيضا أن الخلافات حول المسائل اللاهوتية التي تبددت فيها طاقة أحسن العقول في العصور الوسطى سوف تتراجع ولن يكون لها ذات الأهمية.
ويتناول الكتاب في بعض فصوله أفكارا عن الاتصال السريع بين البشر مقابل التوسع في سرعة انتقالهم،إذ كلما زادت سهولة الاتصال بين الناس قلت حاجتهم للانتقال السريع.لكن المؤلف لا يكتفي بالحديث عن الرؤى العلمية والتكنولوجية لأنه يتطرق أيضا الى الجوانب النفسية في الإنسان تلك التي تتعلق بقدرة الحواس،يناقش الكاتب الحاجة البيولوجية للنوم مؤكدا أنها ترتبط بالعادات اليومية وبفصول السنة التي تختفي فيها الشمس،يحكي الكتاب أيضا عن الحواس والقدرة على تطوير مهاراتها بما يساعد على تحمل الآلام والتمرن عليها لأن الأمر كله يتعلق بالموقف النفسي والاعداد الذهني للحالة.
لكن لا يعني كل ما ذكر في الكتاب أن المستقبل سيكون خاليا من المفاجآت ؛ لأن الزمن سيظل يمدنا بما لا نهاية له من المفاجآت المتخيلة وغير المتخيلة فالطريقة الوحيدة كما يرى المؤلف للعثور على حدود الممكن هي بالذهاب وراء هذه الحدود الى ما هو غير ممكن،ذلك أن الحقيقة الوحيدة عن المستقبل التي يمكن الوثوق بها أنه سيكون خياليا تماما.
د. لنا عبد الرحمن