تعويذة الحسي .. رؤية انسانية للعالم

 

تقدم بعض الكتب وجهة نظر جديدة للحياة  للطبيعة لعلاقة الأنسان  بالكون والأرض  وأرواح الكائنات التي تحيا عليه. وهذا النوع من الكتب لا يخص قارئا بعينه سواء أكان متخصصا أو معنيا بالثقافة العامة لأن هناك وجهة نظر  مختلفة سوف يتلقاها وتساعده على اكتشاف رؤى وأفكار غابت عنه في زحمة الحياة المدنية المعاشة.

المؤلف  ديفيد إبرام  يقدم في كتابه “تعويذة الحسي” -الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة – فرصة عظيمة لإعادة اكتشاف العلاقة المنسية والمشوهة بين الكائن والكون،كما يقدم إعادة اعتبار للقيمة الحقيقية للهواء-الرياح-الأنهار-الاشجار-الغابات -الكلمات-المخلوقات المرئية وغير المرئية مبررا حاجتنا الى كل هذه الأشياء لأسباب نفسية ضرورية أكثر مما هي ملحة لبقائنا الجسدي.تكشف القراءة المتأنية لهذا الكتاب عن   تدهور علاقة أبناء المدن المزدحمة  بالطبيعة  حيث الحداثة والتحديث هو إبعاد تام للطبيعة سواء على الأرض أو في أرواح الكائنات التي تحيا عليها،لذا يعيد هذا الكتاب الطرق على المناطق الحساسة في الروح  كي يستعيد الأنسان الحديث علاقته العضوية  والمنسية مع أصل الكون وبالتالي مع ذاته  التي صارت شبه آلية في جانبا منها.

في مقدمة الكتاب تحرص المترجمة ظبية خميس على ذكر الاسباب التي حثتها على ترجمته وكيف ساهم هذا النص في مساعدتها على تشكيل رؤى جديدة للعالم من حولها تقول “أثار هذا الكتاب ولعي ومحبتي،ومن روح المحبة تلك كان التماس مع كلمات ديفيد ابرام،كنت أترجم ما أقرأه بضوء القلب..وتتابع قائلة:بتاثير من “تعويذة الحسي” كنت قد انتقلت من الحياة في قلب المهندسين المكتظ بعماراته وزحام المرور والمحلات التجارية لأنتقل للسكن على أطراف المدينة ومشارف سقارة حيث سنح لي الأستماع الى غناء الكروان صباحا،والى تأمل  جلال الأهرامات وهي تقف كرمز لاتحاد الكائن والحجر في صناعة الحضارة الإنسانية،واستطعت أن أستوعب ذلك التقديس الفرعوني لأنواع كثيرة من فصائل الحيوانات فضلا عن الشمس والكواكب والنجوم”

إن الفرضية البسيطة التي يقدمها الكتاب والتي سعت المترجمة الى إيضاحها  تتلخص في أننا كائنات إنسانية فقط عبر التواصل والأصغاء لما هو بشري وغير بشري.لكن هل هذا يعني أن علينا التخلي عن التكنولوجيا المعقدة التي ابتدعناها؟كلا إنها لا تعني ذلك،لكنها تعني أن نسعى لتجديد معرفتنا بالعالم الحسي حيث تجذرت منه كل تقنياتنا وأدواتنا التكنولوجية،فمن دون أوكسجين أنفاس الغابات،وبدون قبضة الجاذبية الأرضية  وسحر جريان الأنهار لن يكون لدينا مسافة  تبعدنا قليلا عن التكنولوجيا التي ابتدعناها ولا كيفية لتقييم محدوديتها،ولا طريقة لمنع أنفسنا من التحول الى  آلات.يقول المؤلف “إن الصناعات المنتجة للأستهلاك العام في العالم المتحضر من علب اللبن الكرتونية الى أجهزة الغسالات الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر تجذب حواسنا الى رقصة تكرر نفسها،حين تسيطر أجسادنا على الأشياء المصنوعة آليا لا تتعلم حواسنا شيئا،لأن الأشياء مع الوقت تصير عاجزة عن ادهاشنا،لذلك فإننا نسعى  باستمرار للحصول بروح استهلاكية على أشياء مصنوعة حديثا،تقنيات وآلات جديدة،آخر موديل من هذا أو ذاك،إنها  شبكة لا تنتهي علينا ان نحرر أنفسنا منها”

د. لنا عبد الرحمن 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى