زادي سميث .. العولمة والعلاقات الإنسانية

 

 

بعد رواياتها  “أسنان بيضاء”، “رجل الأوتوغراف” و”عن الجمال”، أصدرت زادي سميث روايتها الرابعة بعنوان “أن دبليو” التي جاءت ضمن أكثر الكتب مبيعا في 2012 وفي هذا العمل تعود زادي سميث إلى بلدتها في شمالي غربي لندن التي تستلهم منها العنوان. تنقسم الرواية إلى أربعة فصول وكل فصل يدور حول  حياة أحد أبطال الرواية، وهم  شباب وشابات من لندن: لِيا، ناتالي، فيلكس، وناثان. وتصف سميث واقع هؤلاء الشباب الذين يحاولون التمرد على فكرة الجذور التي تشدهم إليها،إلى جانب أحداث تتراوح ما بين العبثيّ والحتميّ حول صدمة هؤلاء الشبان بواقعهم ومجتمعهم وسعيهم للحصول على واقع أفضل لكن دون جدوى. تتركز الأحداث الرئيسية حول نتالي وليا، وهما صديقتين من أيام الجامعة وبظروف حياتية متشابهة، لكن نتالي تنجو من دائرة الفقر، وتغدو محامية ناجحة، ثم تتزوج من رجل ثري يعمل في بنك، وتنجب  طفلين، لكن حياتها جافة، وتتسم بالفراغ الروحي، لذا نراها تلجأ للقيام بعلاقات عاطفية عابرة.

وفي مقابل نتالي تحضر صديقتها ليا، التي تعمل في وظيفة بسيطة، وتتزوج من رجل محدود الدخل، ولذلك تجد مشقة في تدبير شئون حياتها المادية والعائلية، وتبدو طوال الوقت حانقة على الأوضاع الطبقية الجائرة، وتتعكر مشاعرها نحو صديقتها ناتالي. ولعل المثير في كتابة سميث أنها لا تطلق أي تقيم لأبطالها، بل تقدمهم في ظروفهم الواقعية، مع استدراجهم إلى مونولوج داخلي،تاركة للقارئ حرية الحكم على أفعالهم.

يمكن القول أن العولمة الاقتصادية والسياسية تحتل مكانة بارزة في هذه الرواية، بل في كتابة سميث عموما، إلى جانب وجود أشخاص من مختلف الانتماءات والأعراق.. اعتبر النقاد الإنجليز أن رواية سميث التي تستخدم فيها تقنيات جديدة في السرد تجريبية في الشكل والمضمون ،إذ  يوجد فيها محاكاة لأسلوب فيرجينيا وولف من خلال وجود ” تيار الوعي” مع تداعي الأفكار والمونولوج الداخلي، كما تأثرت أيضا بجيمس جويس حيث تغوص الرواية في معالم المنطقة اللندنية التي تصفها بكل دقة، مع رصد الواقع المعاش لأبنائها في أدق تفاصيلهم المتعلقة بالمال والجنس، والعولمة.فالرواية تكشف تلاشي الإيمان بالثوابت،وتركز على التحولات الإيديولوجية خاصة  بعد الانهيار الحالي للنظام الاقتصادي في بريطانيا.

حظيت زادي سميث بشهرة عالمية، وتعتبر وجهاً من وجوه الأدب البريطاني الحديث ورمزاً له وتمثل الجيل الجديد من الكتاب في إنجلترا، بل وتعتبر إحدى الظواهر في عالم الأدب الإنجليزي. وصف النقاد زادي سميث قائلين : إن هذه الفتاة المبدعة والبديعة تخرج من عباءة تشارلز ديكنز، أعظم روائي بريطاني في القرن التاسع عشر”

فازت روايتها “أسنان بيضاء” بجائزة الاورانج،وقد كتبتها وهي في الواحد والعشرين من عمرها وحققت بفضلها نجاحا كبيرا. تنحدر زادي سميث من أب انجليزي، وأم جاميكية، وعاشت حياتها في شمال لندن، وسط خليط  عرقي وثقافي متنوع. ربما لهذه الأسباب نجد أسئلة الجذور والهوية موجودة بوضوح في  رواية ” أسنان بيضاء”، خاصة حول الأشخاص المهاجرين من أوطانهم، إلى أماكن أخرى، لذا إن المحور الرئيس في كتابة سميث هو  كيف تحقق التوازن بين المكان الذي أتيت منه، والمكان الذي تعيش فيه. حازت ” أسنان بيضاء”  على عدة  جوائز منها جائزة الغارديان للكتاب الأول،وتم تحويلها  إلى سلسلة تلفزيونية قصيرة من إنتاج هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”. وتتناول الرواية التوجهات الفكرية المتباينة بين صديقين، أحدهما بريطاني ويدعى آرشي جونز، والآخر من بنجلاديش واسمه عبدالصمد إقبال. وفي حين كان جونز يتسم بطبيعة عملية مثل غالبية البريطانيين والأوروبيين، كان عبدالصمد يُمثل طبيعة مختلفة، لا يتماهي مع الثقافة الغربية بل يعبر عن غضبه من انحطاط الثقافة السائدة في بريطانيا، وتأثيرها الضار علي الجيل الشاب. وهكذا كان جونز وعبدالصمد يجسدان عالمين مختلفين (الغرب والشرق) أحدهما واقعي ومادي ويتطلع للحرية بغض النظر عن أي شيء آخر.أما الثاني  ففي داخله رفض للواقع وحنين للجذور وللهوية، مدركا انحداره من قيم وعادات مختلفة عن السائد في بريطانيا.

الجدير بالذكر أن زادي سميث  تعيش حاليا في نيويورك، متفرغة لكتابتها، ولتربية طفلتها، ولمحاضراتها حول الكتابة الإبداعية.

د. لنا عبد الرحمن 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى