كراكيب الروح
هل ينتابك احساس أن وجود شخص معين في ذات المساحة التي توجد أنت بها،يسبب لك انقباض،ويدفع جسدك للتوتر،دون أن تملك القدرة على الرفض؟ شخص مثل هذا،أو ربما يكونوا عدة أشخاص،يتمركزون في عقلك الباطن من دون أن تملك القدرة على رفضهم والتصريح بعدم رغبتك بهم. ترى كم من نوعية تلك العلاقات في حياة كل واحدٍ منا؟ كم من الأشخاص لنا معهم علاقات، من أي نوعٍ كانت، لكن أرواحنا ترفض وجودهم في حياتنا ؟ كم من الأشخاص يثقلون علينا بذكراهم؟ ولماذا يضطر الإنسان من الأساس إلى التعامل مع أشخاص لا يود معرفتهم أصلاً ؟ هل هى الحياة العصرية بكل مفرداتها السخيفة التي تفرض نفسها علينا ؟ وكيف يمكن الفرار من ذلك؟ كيف يمكن لانسان فى عصرنا القاسى أن يعيش دون “كراكيب” في روحه؟
مما لا شك فيه أن مثل هذه المواقف تتكرر في حياتنا يوميا،لكننا نتجاهلها،في محاولة منا لتمرير الأمر بلا اي آثار،لكن هذا لا يحدث،ويستمر الاحساس بالثقل يحيط بنا ويسلبنا الطاقة.هذا ما تؤكد ه الكاتبة الأميركية كارين كينغ ستون في كتابها “عبودية الكراكيب” الصادر عن دار شرقيات بالقاهرة ،ومن ترجمة مروة هاشم .. وهذا العنوان اختارته المترجمة ؛ لأنه من وجهة نظرها أنسب وأصدق عنوان يعبر عن مضمون وفكرة الكتاب، وقراءة السطور الأولى منه توضح للقارئ أن المقصود ليس العبادة بمعناها الحرفي ولكن مدى تحكم وسيطرة فكرة الاحتفاظ بالكراكيب والأشياء على الإنسان مما يجعله مسلوب الإرادة،
في هذا الكتاب تركز الباحثة على الكراكيب بالجملة،الكراكيب المنزلية،كراكيب المكتب،والاهم الكراكيب النفسية،أو كما تسميها الكاتبة “كراكيب الروح”،التي يندرج تحتها عدد الأشخاص الذين نحتفظ بهم في حياتنا،ويثقلون ذاكرتنا،وفي واقع الأمر هم ليسوا أكثر من عوائق تسبب لنا احساسا بالثقل والجمود.
تركز الكاتبة على استخدام طريقة “الفينج شوي ” الصينية،وهذه العبارة تعني “الرياح والهواء” وتقوم هذه الفلسفة على التركيز على ايجاد التناغم بين الطاقة الكونية وطاقة الانسان الداخلية،ومما يعيق تدفق هذه الطاقة وتفاعلها،وجود الكراكيب المادية والروحية التي تسد الطرق على الانسان وتمنعه من الرؤية بوضوح.لكن ما السبب في تمسك البعض منا بالأشياء رغم أنه قد لا يستخدمها لسنوات طويلة،لكنه في ذات الوقت لا يتنازل عنها؟
عدة أسباب منها :الخوف،عدم الثقة أن الحياة ستمنحه الأفضل،الرغبة في تقليد الأخرين ،وأيضا البخل،إنها أحاسيس تدفع الشخص الى تكديس الأشياء والأشخاص في حياته،خوفا من الغد، وربما خوفا من الوحدة أيضا.
في مراهقتي أذكر احدى الصديقات التي كان في بيتهم غرفة كبيرة يطلقون عليها “غرفة الكراكيب” غرفة معترف بها رسميا عندهم اذ يلقون فيها كل ما لا يحتاجون اليه،لكنها مع مرور الوقت تحولت إلى غرفة متضخمة ومرعبة،يستحيل العثور على أي شيئ مفيد فيها.مثل هذه الغرف تتفاوت في وجودها عند العديد من الأشخاص، لكنها موجودة في النتيجة،وباشكال مختلفة،قد تكون درج المكتب الذي نجهل ما فيه،أو دولاب ملابس قديمة ،أو حقائب مليئة بأوراق وأغراض بالية لن نستخدمها في أي حال من الأحوال.
إن تفريغ المكان وإعادة خلق مساحات رحبة تسمح بدخول أشياء جديدة على حياتنا،هو الغاية الأولى من هذا الكتاب،خاصة حين تؤكد الكاتبة على فكرتها بالقول ” إن الحياة دائما في تغيير مستمر لذا عليك أن تستمتع بالأشياء التي تأتي إليك في حياتك ..حقيقة أنك تمتلك شيئا ما لا تبرر أبدا احتفاظك بهذا الشيئ للأبد،إنك لا تعتبر سوى حرس مؤقت لأشياء كثيرة أثناء مرورها في حياتك”.
د. لنا عبد الرحمن