حصيلة الأيام

 

 

«العائلة تعطينا الأمن والرفقة والحماية وتثير أعصابنا، لكني لا أستطيع العيش من دونها».

هذه هي العبارة التي توردها الكاتبة ايزابيل اللندي في كتاب مذكراتها “حصيلة الأيام”. إنه كتاب يندرج ضمن فئة السيرة الذاتية أو المذكرات الشخصية،كتاب يعلي من شأن الترابط الأسري،الذي يبدو  غير مكرس له هذا القدر من الاهتمام في المجتمع الغربي،لذا فإن الكتاب يبدأ بمشهد يضم عائلة الليندي برمتها وهي مجتمعة لإحياء الطقس الخاص بنثر رفات ابنتها باولا .

وانطلاقاً من هذا الحدث  تبدأ الكاتبة باستعراض سائر المحطات والتبدلات التي شهدتها العلاقات العائلية، لكن هذا الكشف للعلاقات العائلية لا يخلو أبدا من المفاجآت المدهشة حد الذهول،إنه عبارة عن رواية الكاتبة للأحداث والحكي بصدق متناهي عن أكثر المواقف حساسية في حياتها،إنها تصف مذكراتها قائلة :«حصيلة الأيام عبارة عن مذكرات ذاتية للغاية، على غرار جميع المذكرات الأخرى. إنها روايتي الخاصة للأحداث، التي تتقاطع بدقة مع روايات أفراد أسرتي الآخرين، الذين يشكلون شخصيات هذا الكتاب،ابني نيكو وامرأته انفصلا عن بعضهما وتطلقا لأسباب غاية في الطرافة وأصبح لكل منهما زوج آخر، أما بالنسبة لزوجي ويلي، فلقد توفيت له ابنة بينما ولدت له حفيدة في ظل ظروف مأساوية».

لكن هذه المحاولة لكتابة المذكرات الشخصية لم تكن الأولى بالنسبة لايزابيل اللندي،بل تعتبر الثالثة، بعد أن روت جزءا من مذكراتها في كتابها “باولا” الذي كشفت فيه عن رحلة معاناتها الأليمة خلال احتضار ابنتها، ثم كتبت جزءا آخر من سيرتها الشخصية والوطنية في كتابها “بلدي المخترع” الذي ارتكزت فيه أكثر على كشف علاقتها مع وطنها تشيلي الذي غادرته إثر الأنقلاب العسكري الذي قام به بيونشيه على الحاكم سلفادور اللندي، وأمضت إثر ذلك 13 عاماً منفية في فنزويلا ،ثم قضت فترات طويلة في اسبانيا وهي تعيش منذ عام 1988 مع زوجها  الكاتب ويلي غوردون بالقرب من سان فرانسيسكو، على الساحل الغربي للولايات المتحدة.

إن حياة المنفى،والتنقل بين أكثر من بلد ترك انعكاسا ايجابيا على كتابات اللندي وشخصيتها، مما جعل جذورها مزروعة في الكتب لا على أرض محددة، من هنا هي لا تتردد في القول: « كنت دائمة الترحال لأنني ابنة لوالدين دبلوماسيين ومنفية سياسية ومهاجرة لذلك لا أعتقد أن لي جذور بالمرة فأنا أستمد جذوري من الكتب ومن اللغة وليس المكان على الإطلاق” .

حيث يكون زوجي وأسرتي، يكون موطني. وأنا أذهب إلى تشيلي مرات عديدة في السنة وأشعر أن لي قدم هناك وأخرى هنا، لكن الحقيقة هي أن جذوري ضاربة عميقاً في كتبي أكثر مما هي عليه في أي مكان جغرافي في العالم».

هذه الكاتبة التي بلغت 65 عاما  من عمرها تعتبر من أكثر كاتبات “تشيلي” شهرة وإثارة للدهشة،فهي لا تتتوقف عن إثارة  فضول قارئها سواء عبر  إختيارها للموضوعات التي تكتبها أو عبر مزجها بين الواقع ،الأسطورة، والخيال،لتسير بذلك على نهج كتاب أميركا الاتينية في أفتتانهم بما يسمى”الواقعية السحرية”، أو عبر كتابة نوع أدبي جديد مختلف تماما عن نسق روايتها السابقة كما فعلت في  في  ثلاثية روايات الفتيان “مدينة البهائم” “مملكة التنين”، و “زورو”، حيث تتوجه لأول مرة الى جمهور الشباب برواية يمتزج فيها السحر مع المغامرة  والدعابة والطبيعة،تغوص في أعماق الانسان من خلال شخصيات مغامرة تنتمي الى أجيال وأمزجة متباينة.

ترجمت أعمال اللندي لما يزيد عن عشرين لغة توصف بأنها “منقوعة بالأسطورة” فقد تربت على كتاب ألف ليلة وليلة،حين كانت تطالعه سرا عن والدتها وهي صغيرة،تؤمن  بعمق بفكرة أن العالم هو مكان بالغ الغرابة وأننا لا نملك كل الإجابات لما يحدث فيه.

د. لنا عبد الرحمن 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى