الأطفال والانترنت
أصبح عالم الانترنت بكل ما فيه، يشكل مصدرا أساسيا من مصادر المعرفة بالنسبة لجميع الأعمار، ومن البديهي بالتالي أن يسهم في تشكيل ثقافة الطفل ويؤثر تأثيراً مباشراً في تربيته وتكوين بنائه الفكري والعقلي والوجداني ؛ خاصة وأن أسلوب المناهج الجديدة في الدراسة يعتمد على البحث عن المعلومة، وتعزيز العلاقة بين الأطفال والنت لان هذه الشبكة تعتبر وسيلة أسرع وأسهل للحصول على المعلومة مهما كانت بسيطة أو معقدة. كما ان الاعتماد على الانترنت في الحصول على المعلومات وفر الكثير من العناء على الأهل والطُلاب على حد سواء ، رغم وجود احتمال كبير في عدم دقة المعلومة ووجود نسبة من الخطأ فيها، في حال كان المصدر أحد المواقع التي لا تعتمد المصداقية.
تراجع دور الكتاب والتلفزيون والراديو، الذين ظلوا لزمن طويل المصدر الوحيد لمعرفة الطفل، التي يستقي منها معلوماته ومعارفه، وصارت الشبكة العنكبوتية وسيلة سريعة وسهلة للحصول على المعلومات على أنواعها، ولتحميل الألعاب، والأغنيات، وأفلام الكرتون. ويكفي المرور أمام أحد مقاهي الإنترنت لملاحظة الإقبال الواضح من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من السابعة إلى الثانية عشرة إضافة إلى فئة كبيرة من المراهقين، مما يسهل احتكاك أطفالنا مع فئات عمرية أكبر سنا، ليس من المضمون نتيجة تواصلهم معها.. ومن الملاحظ أيضا أن الاقبال على النت يتزايد في مرحلة العطل سواء في منتصف العام الدراسي، أو في العطلة الصيفية حيث يجد الأطفال في مقاهي الإنترنت مكانا لتمضية الوقت في ممارسة العاب الإنترنت المختلفة ومتابعة الجديد منها للتنافس على احراز أكبر عدد ممكن من النقاط.
ينتبه قسم من الآباء والأمهات الى كل هذه التفاصيل، ويراقبون بحذر تعامل أبنائهم مع العالم الإفتراضي، وتوجيههم نحو المواقع الموثوقة التي تنتمي إلى مؤسسات علمية معروفة أو مراكز بحثية متخصصة، لكن في حال السهو عن معرفة تحركات الأطفال في هذا العالم المفتوح، قد تكون النتائج وخيمة، خاصة حين بدخل الأطفال في محادثات مع أشخاص مجهولين يزعمون أنهم أطفال في مثل سنهم، ثم يتبين أنهم كبار، وأنهم يحاولون العبث بعقل الطفل، التحايل عليه أو استغلاله بطريقة أو بأخرى.
من هنا تبدو ضرورة مراقبة الطفل من قبل الأهل أثناء تصفحه للانترنت وعدم تركه وحده؛ لوجود الكثير من المواقع التي يمكن ان تحمل أفكاراً وقيما سلبية تؤثر في البناء الفكري والاخلاقي للطفل؛ وتهدم من خلال صورة او كلمة ما يحاول الأهل زرعها- عبر سنوات- في عقل ووجدان الطفل، خاصة في سنوات التشكيل العمرية الحرجة التي تحتاج الى متابعة حثيثة من الأهل ريثما يتم التشكيل المعرفي والفكري للأبناء. وينتج عن هذه المراقبة امتلاك بعض الأطفال وعي سليم، يوجهه نحو الملكات المعرفية التي يود تطويرها، كأن ينشغل في تطوير اللغة سواء العربية أو الإنكليزية، أو يؤسس مع أصدقائه صفحة خاصة بمدرسته يستطيع عن طريقها تبادل أخبار المدرسة والطلاب ونشر الصور والتعليقات ما يجعله في تواصل دائم مع أصدقائه.
لقد أصبح الإنترنت يشكل عاملاً منافساً في تربية الأطفال ، وبات يؤثر بشكل مباشر على اخلاقيتهم وسلوكهم وقيمهم وحكمهم على العالم الخارجي من حولهم. وبالتأكيد لا يكمن الحل في حرمان الأطفال من الإنترنت وانما بتنظيم علاقتهم به من خلال اخضاعهم للمراقبة من الأهل، والاستعانة ببرامج الفلترة وعدم ارسال الأطفال إلى مقاهي الإنترنت وحدهم دون رقيب، لأن مسألة علاقة أطفالنا مع الشبكة العنكبوتية لا تقل أهمية عن أي شأن سياسي أو اجتماعي يأخذ صدارة الاهتمام، فهؤلاء الصغار الذين تفتح وعيهم في عصر المعلومات الفائق السرعة سيشكلون جيل الغد الذي نعول عليه في التقدم بمسيرة النهضة العلمية والاجتماعية.
د. لنا عبد الرحمن