أيام زمان
منذ زمن، وفي أيام العيد، كان الأطفال ينامون، وهم يضعون بجانبهم على السرير المجاور ثياب العيد، التي ينتظرون طلوع الصبح كي يرتدونها. كان للعيد بهجة، تحل في قلوب الكبار والصغار ؛ ويكون الأسبوع الأخير من شهر رمضان، مفعما بأجواء من الشفافية والصفاء، والسكينة، والصفح،والانتظار أيضا حتى يظهر هلال شوال ليبشر بالعيد. تنهمك النساء في صناعة الكعك قبل العيد بأيام، وكل منهن تنافس الأخرى في صناعة كمية أكبر من الكعك، أما الأمهات فينشغلن في شراء حاجيات العيد للأطفال، الذين ينتظرونه بصبر بالغ، خاصة لمن صام رمضان منهم. كان الرجال يعلقون الزينات في الشوارع، قبل العيد بيوم واحد، ويحرصون على وجود الفوانيس الكبيرة خاصة في الأماكن المهمة من الشارع.
لكن ثمة شيئ قد تغير حتما، عن أيام زمان، لم يعد العيد مرتبطاً بتلك الطقوس العائلية الجليلة التي ينتظرها الجميع، هناك اختلافات في المجتمع ككل طالت جوهر العلاقات الإجتماعية والأسرية، وأعني أن تلك التغيرات ليس بالضروري أن تكون سلبية على طول الخط، أو ايجابية تماما، لكنها تحولات صارت تؤكد على الهوية الفردية أكثر مما تقيم اعتبارا للجانب الإجتماعي والأسري الذي ظل لعقود طويلة يميز الأُسر العربية.. وهذا التحول هو نتيجة طبيعية لوجودنا في عالم مفتوح، باتت وسائل الإتصال السريعة فيه، تشغل قسطا كبيرا في طرق التواصل بين الأشخاص. كان العيد في السابق فرصة للتجمعات العائلية الكبيرة، حيث يتواصل القريب والبعيد من الأقارب والجيران،تحت مظلة العيد. لكن الأمور اختلفت كثيرا عن السابق، وجزء كبير من تواصلنا قد يحدث عبر الموبايل، أو عبر معايدة بالإيميل. يمكننا مثلا أن نلاحظ الإعلانات التي تحرضك عى تحميل رسائل المعايدة، كي ترسلها لمن تحب، أي أن المعايدات أيضا صارت مصنوعة،وجاهزة سلفاً، ولا نتدخل نحن في صياغتها وفق ما نحس، بل إن المعايدات صارت مجرد عبارات مكتوبة لغوياً بأسوب جيد، كي نمارس عبرها تقليدا ينبغي علينا القيام به. هناك أيضا المعايدات الجماعية التي تصلك في رسالة من أحد الأصدقاء، ولا يكتب فيها اسمك، لأنه ارسلها لجميع الأسماء الموجودة على هاتفه المحمول ؛ وهذا النوع من المعايدات أيضا يخلو من الحميمية، وينفي خصوصية أي صداقة، لأنه يجعل الجميع متساويين. وفي كل الأحوال، وكما يبدو أصبح هذا الأمر تقليدا عصرياً لا ينفصل عن العيد، أن تصلك رسالة عامة من أحد الأصدقاء، ويكون عليك الرد عليها بالأسلوب الذي تراه مناسباً.
الآن لم يعد من الممكن أيضا، كما في الماضي، أن تنهمك النساء في صناعة أعداد كبيرة من صواني الكعك، صارت معظم العائلات تستعيض عن الكعك البيتي بشراء الكعك الجاهز، بسبب غلاء الأسعار من نحو أول، وبسبب عدم توفر الوقت أيضا، لأن معظم النساء الآن موظفات، يشاركن في تحمل أعباء الحياة، التي ازدادت تكاليفها عن أيام زمان بأضعاف المرات، بل إن أيام العيد بالنسبة للمرأة العامة، صارت وقتاً مناسبا للراحة، وللبقاء لأيام مع أطفالها.
اختلف العيد بين زمان والآن، وهذه الإختلافات، هي ضريبة حتمية للحداثة، لابد لنا من دفعها. وليس علينا سوى الرضى، ورؤية الأمر من الزاوية المشرقة، لذا نقول : كل عيد وأنتم بخير.
د. لنا عبد الرحمن