الوقت والطعام
أظن أن شهر رمضان، وعلى الرغم من أنه شهر عبادة، إلا أنه من أكثر الشهور هدرا للوقت بين الطعام والتلفزيون. وليس في هذا القول أي مبالغة، إذ لو شاهدنا الكم الهائل من الأعمال الدرامية، والبرامج الترفيهية، والمسابقات، وغيرها مما يعرض على الشاشات والهدف من ورائه مرور الوقت بأسرع ما يمكن، لأدركنا بأن التمسك بالمعنى الحقيقي للصيام يحتاج إلى إرادة صلبة كي يتحقق. ولا أعرف الغاية من تكثيف هذا الحشد الهائل في الإنتاج التلفزيوني كي يعرض دفعة واحدة في شهر رمضان، سوى التأكيد على ربط فكرتي – الطعام ومشاهدة التلفزيون- أما ما بينهما فكثير جدا. ففي رمضان تغيب الوجبات السريعة، وتصبح المائدة مكانا تجتمع عليه الأسرة، وهذا أمر أسري محبب، يحققه الشهر الفضيل للأسر، خاصة تلك التي يعاني أفرادها من اختلاف في أوقات التواجد في البيت. لكن بعد الإنتهاء من تناول وجبة الإفطار تبدأ معركة التنقل من فضائية إلى أخرى، قبل الإستقرار على المكان المناسب. وقد يحدث هذا مع تناول الشاي والحلويات.
وإذا كان هدر الوقت على الطعام عند الشعوب العربية، يتضح جلياً في رمضان،فإن صيغة الشعوب المسلمة في البلدان غير العربية، لا يتوفر لهم مثلنا شاشات عامرة بكل أنواع الفنون خلال شهر رمضان الكريم، فحسب ما أعرف فإن المسلمين في البلاد غير العربية يعانون للحصول على إجازة وقت عيد الفطر مما يعني أنه ليس هناك أي امتيازات خاصة في شهر رمضان، بل إنه مؤخرا قام مفتي المسلمين في هونغ كونغ _ التي يبلغ عدد المسلمين فيها 200 ألف نسمة _ بالمطالبة بأن تكون أيام عيد الفطر عطلة رسمية في المدينة، يتمتع بها المسلمون كما يتمتع اتباع الديانات الاخرى بعطلات في أعيادهم.
وفي وقت قريب، قرأت دراسة تحلل علاقة الشعوب بالوقت والطعام، لكن الدراسة اقتصرت على الشعوب الغنية، ولم تدخل في الدراسة شعوب العالم الثالث، لذا كانت المفاجأة ان الفرنسيين يقضون وقتا أطول من أي شعب آخر في النوم والاكل. . وقالت الدراسة أن متوسط الساعات التي ينامها الفرنسي تسع ساعات تقريبا كل ليلة وهو ما يزيد بساعة عن متوسط ما ينامه الياباني والكوري اللذان ينامان أقل عدد من الساعات. ومع أن اقبال الفرنسيين على مطاعم الوجبات السريعة يتزايد يوما بعد يوم، الا انهم لا يزالوا يقضون أكثر من ساعتين يوميا في تناول الطعام.
أما الشعب الإسباني، وهو من أقرب الشعوب الأوروبية للشعب العربي بحكم التاريخ السابق، فإنهم يشتركون مع العرب في عادة نوم القيلولة الا ان الاسبان احتلوا المركز الثالث في الاستطلاع بعد الاميركيين الذين ينامون أكثر من ثماني ساعات ونصف الساعة.
وجاء اليابانيون في المرتبة الخامسة بعد النيوزيلنديين بقضائهم حوالي ساعتين يوميا في الاكل والشرب، إذ يفضل اليابانيون قضاء ما يتبقى من وقت فراغهم النادر في مشاهدة التلفزيون او الاستماع للراديو. ويشكل هذا حوالي 47 بالمئة من وقت الفراغ في اليابان، مما يكسر الصورة النمطية المعروفة عن الشعب الياباني في تفانيه في العمل إلى حد يتجاوز الشعوب الأخرى بكثير. لكن هذه النسب التقريبية، تساعدنا إلى حد ما في تخيل مكانة الشعوب العربية في هدر الوقت، بل إن تعامل العرب مع الوقت والطعام تحتاج إلا إعادة نظر بشكل شامل، لما نهدره من كليهما على مدار الحياة، وليس في رمضان فقط.
د. لنا عبد الرحمن