مسقط .. أينما وليت وجهك فثمة بحر
مسقط ؛ عاصمة سلطنة عمان ؛ واحدة من أعرق المدن العربية، والتي تقع في أقصي الشرق، ومن ورائها تمتد مياه المحيط الهندي، عمرها يقارب الألف عام، وحسب ما كتبه المؤرخون فإنها أنشأت لكي تكون مرسى للسفن القادمة من المحيط الهندي باتجاه موانئ الخليج العربي، كما أنها مدينة بحرية اتخذها اليعاربة نافذة بحرية لهم لتحقيق مشروعهم في تدمير البرتغاليين الغزاه، والقضاء علي نفوذهم. وخير دليل علي صحة هذا الكلام، ما كتبه “البوكيرك “قائد الأسطول البرتغالي الذي هاجمت سفنه ميناء مسقط عام 1507 وعاثت به فسادًا، والذي كتب قائلاً عن مسقط: إنها مدينة ضخمة كثيرة السكان.. وفيها بساتين وحدائق ومزارع للنخيل ويحرك من الماء لريها بواسطة محركات خشبية، أما ميناؤها فصغير وله شكل حدوة الحصان، يوفر الوقاية من كل الرياح.
ويضيف: كانت مسقط في الآونة الأخيرة سوقًا لنقل الخيول والتمور، وهي مدينة علي درجة كبيرة من الأناقة والجمال، ومنازلها بديعة جدًا، تموّن من المناطق الداخلية بكميات كبيرة من القمح والذرة والشعير والتمور، تكفي لتحميل كل السفن التي تأتي لابتياعها. وجو مسقط لا يختلف كثيرًا عن دبي ومعظم العواصم العربية القريبة منها.
مسقط القديمة
أينما وليت وجهك في مسقط فثمة بحر، وتراه عندما تحاول أن تتجول في شوارع المدينة القديمة، ونجد أيضًا المباني التاريخية تعلن عن نفسها بوضوح، قلاع وأسوار، ومرافئ للسفن، وزوارق خشبية كبيرة ترسو بمحاذاة الساحل، وحركة الناس في سوق مطرح القديم، فمطرح هي المركز القديم لتجارة العاصمة، لذا لا يستغرب الزائر وهو يطالع المباني ذات الطابع الحربي في أنحاء الميناء، لقد كان هذا الميناء نقطة اتصال عمان بالبحر، نظرًا لما يوفره من حماية طبيعية بسبب تكوينه الديموجرافي والاستراتيجي، فمسقط برمتها محاطة بالجبال الجرداء من جهاتها الثلاث، وتنفتح علي البحر من جهتها الرابعة، لذا فإن الأخطار غالبًا ما كانت تأتي من جهة البحر.
في ولاية مطرح المركز التاريخي للعاصمة العمانية، يصبح للبحر نكهة أخري، نكهة يمتزج فيها البشر بتاريخهم وحياتهم ومستقبلهم، من هذا الميناء العريق كانت السفن العمانية تنطلق باتجاه السواحل الأفريقية الشرقية، وسواحل شبه القارة الهندية، محملة بالخيول العربية والتمور والتوابل والسيوف والمنسوجات والبخور، والمسكوكات الذهبية الفضية، وهي كل البضائع التي تشتهر بها مسقط، كان العمانيون تجارًا ماهرين ينافسون بتجارتهم أسطولين تجاريين كبيرين، هما الأسطول البريطاني والأسطول البرتغالي، غير أنهم دفعوا ثمن هذه المنافسة التجارية الشرسة عندما شن الأسطول الحربي البرتغالي هجومًا علي السواحل العمانية في بداية القرن السادس عشر، لتدميرها وإرهاب سكانها، والقضاء في الوقت نفسه علي تجـارتها. وكانت مسقط التي تعد الميناء التجاري لعمان، ويعد سوقها عقدة التجارة إلي أسـواق ومدن عمان الأخري، هي البوابة التي تغلغل منها الغـزاة.
مدينة الحروب
شن البرتغاليون حملة عسكرية بحرية بقيادة ألفونسو البوكيرك، انتهت بهيمنة البرتغاليين علي السواحل العمانية نحو مائة عام، حتى قيام دولة اليعاربة، الذي قلبوا موازين القوي لصالحهم، إذ لم يقبل العمانيون الخضوع للبرتغاليين، واستمروا يغيرون علي حصونهم وقلاعهم في هرمز ومسقط وقريات وصحار إلي أن تحقق لأبناء الخليل بن أحمد الفراهيدي الانتصار الكامل، بهزيمة البرتغاليين النهائية عام 1650م وكانت واحدة من تلك المعارك قد جرت هناك، فقد هاجم العمانيون حصن مطرح، ودمروه بعد أن استسلم القائد البرتغالي، وبقيت سفينتان برتغاليتان تطلقان نيرانهما علي مسقط ومطرح. غير أن العمانيين أرسلوا مقاتليهم ليغوصوا تحت الماء ويغرقوا السفينتين في عملية فدائية جريئة.
لذا لا عجب أن تشتهر معظم المدن العمانية بأسوارها وقلاعها الكثيرة التي تشير بوضوح إلي الطبيعة العسكرية التي فرضها الموقع الجغرافي والسياسي المهم لهذا البلد، الذي يعتبر بوابة الخليج والجزيرة العربية علي المحيط الهندي. ففي مطرح وحدها تمتد ثلاثة أسوار، أهمها (سور روي) الممتد من الجبل الجنوبي إلي الجبل الشمالي، وتتوسطه بوابة كبيرة، وكان الغرض من بنائه هو تنظيم الدخول للعاصمة. كما توجد أسوار أخري هي: سـور اللواتيا الذي صحبتني في جـولة حـوله، وبين بيوت الحي الذي يضمه، الفنانة التشكيلية العمانية نادرة بنت محمود، واستفاضت في شرح خصائصه الفنية والجمالية، حيث تتميز أبنيته بروعـة تصميمها الهندسي.
غير أن أهم ما يلفت انتباه الزائر، ليس في مسقط وحدها، بل في كل أرض عمان، هو الهدوء الجميل والأخلاق الرفيعة التي يتميز بها العمانيون، ففي حديثهم مودة وثقافة وثقة عالية بالنفس، تعبر عن عمق إنساني نادر. ومن هذا المنطلق، كان تاريخ عمان عريق، وأن رجالها بواسل نجحوا في تحرير أراضيهم من البرتغاليين بعمليات فدائية، وهم رحم دفء نسائهم وحنينهم العريق للماضي ..
د. لنا عبد الرحمن